صناعة الحياة هي أن يكون لك موقع في هذا العالم،فتكون رقما له قيمة لا صفرا على شمال العدد،معنى ذلك أن تساهم في العطاء والبناء بما تستطيع لا أن تكون حِملا ثقيلا على الأمة،إن النحلة الميتة ترمى خارج الخلية لأنه لا قيمة لها،وإن الشجرة اليابسة تزال من الحديقة لأنه لا نفع من ورائها.
فما هو جزاء إنسان سميع بصير لا يعطي ولا ينتج ولا يعمل،الطالب الذي ترك الدراسة بلا عذر وجلس مع أمه في البيت ماجزاؤه إلا سوط لاذع يهبَّ إلى مدرسته،العامل الذي فضّل النوم على العمل ما جزاؤه إلا الزجر والحرمان حتى يتوب من إعراضه،والعالم الذي اشتغل بنفسه فحسب وترك نفع الناس يسقط من سجل الخالدين أهمل التضحيات والمثل، فيا من أراد الخير لأمته ونفسه لا تكن نسيا منسيا ومتاعا ساقطا:
وما للمرء خير في حياة إذا ما عُدَّ من سقط المتاع
إن ارخص موجود هو ذلك الإنسان الآكل الشارب النائم الذي جفت منابع نفعه ونضبت أودية خيره وحَقَّ
له أن يسقط من عيون النبلاء،لأنه محا اسمه من دفتر الحياة وشطب على رقمه من لوحة العطاء والتضحية، فهو في عالم الأموات ولكنه يأكل ويشرب،وفي دنيا المقابر ولكنه يضحك وينام، ومثله يساهم في غلاء الأسعار لكثرة ما يأكل، ويشارك في شح المياه لكثرة ما يشرب، الناس متجهون إلى الأمام يبنون وينتجون، وهو متجه إلى الخلف لأنه عكس النماء والبناء وضد النفع والعطاء وعدو النجاح والتفوق
إن قافلة الحياة لا تنتظر الخاملين فهي معدة لركوب صنَّاع الحياة،والمقاعد محجوزة،والوقت لا ينتظر
أحدا ،وليس في حافلة النجاح مقعد واحد للتافهين
من كتاب هكذا حدثنا الزمان .
للدكتور :عائض القرني.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.